قطار الأيام - مذكرات
ضهر الأحمر :: القسم العام :: تاريخ
صفحة 1 من اصل 1
قطار الأيام - مذكرات
قطار الأيّام
طفلا كنت ألعب حين شاهدت العسكر علي الجياد في طريقهم الى فلسطين، هكذا سمعت تعليقات الكبارفي السن "إنّهم المجاهدون الأشاوس أصحاب النخوة أشبال الموحدين الدروز وكانت حماسة المقاومه بالأهازيج التي سمعتها للمرة الأولى
سلطان باشا لقريا يا شمعة الديواني
إنّها الجرعة التي شحنتني بفروسية أبناء الجبل ورجال وادي التيم والتاريخ يروي فصول الرحلة الأليمه مع الحكام وخذلان الأحرار , عشناها يوما بيوم وساعة بساعه تلك أول صورة في عام 47 لم أذكر قبلها أنني كنت أفقه شيئا إذكان لي من العمر خمس سنوات أو بالكاد . بعدها بقي من الرجال في قريتنا استاذ لتعليمنا من "بتلون الشوف" المربي احمد حسن وكان يعتمر طربوشا أحمر, هكذا كانت اول صورة لاتزال في ذهني حين اصطحبني والدي إلى منزله الذي كان غرفة واحدة تعرفت إلى منظر المنبه ( ساعة حائط) وهذه أول علاقة لي بالوقت حيث تمت الموافقه علي دخولي في عداد تلاميذه علي أن التحق في اليوم الثاني الساعة الثامنة .
وكان والدي رحمه الله يحمل في كمره ساعة معلقه بسلسال لم أكن الحظها من قبل , وكانت رحلتي مع العلم.
أمي باشرت- رحمها الله- بصنع حمّالة لأشيائي، لوح حجري مع طبشورة، قلم رصاص مع دفتر، ومقعدي جلد قرقور من الصوف .
وفي اليوم التالي كان لابدّ من اصطحابي لوالدتي فالأستاذ ملأ قلبي رعبا منذ اللحظة الأولى فهو لايعرف الابتسام ولا المجاملة والدي أعطاه كل شيء ( اللحم الك والعظم النا) وابو فؤاد هكذا تعرفت عليه، أعطاني وعدا بالفلق وقضيب الرمان إن كنت مشاغبا أو كسولا .
والدتي من يدي وبيدها الأخرى قطعة من خشب اللوز للتدفئة، وكانت ثخينه بعض الشيء وليست قصيرة وغير مستقيمة زادتني رعبا لأنني كنت أجهل وجهة استعمالها وعقلي الصغير أدخلها مع الأسلحة التي هدد بها أبو فؤاد وكانت الرحلة طويلة للوصول إلى حيث التسلّم والتسليم.
وحين دخلت أول ما خفف عني أنّ الفرع الذي حملته والدتي أدخل فورا في الداخون ( الموقد) والموت مع الكثرة خير من الحياة بالانفراد والسجن , أنستني لحظة انضمامي لأترابي وأزالت وحشتي وبددت الخوف من قلبي بعض الشيء
بدأت رحلتي مع الحرف , ولو تأخرت بعض الشيء فالقادم الجديدعليه المتابعه مع الجميع كبيرهم وصغيرهم صف واحد ودرس واحد أمّا القضيب مختلف جدا فلكل قضيب حسب العمر والمخالفة والداهية الكبرى هي الفلق، حتى الفلق لها امتيازات بالقضيب والضارب وبل الأرجل بالماء، مرورا بشمط الأذن ومن الشامط ورفع الأيدي بالعالي والزرب بغرفة الفيران وكلها عقوبات أين منها بعد أن كبرنا عقوبات حكامنا الذين يعلمون شعوبهم علما مختلفا عن أبي فؤاد , كتّاب كبير الصف "مجمع البحرين" للاستاذ "ناصيف اليازجي"، ويتدرج الكتاب عمرا ومعرفه بين "العقد الفريد" "لابن عبد ربه"، والانجيل والقرآن حتى القراءة المصورة ولن أنسى أبدا " كليلة ودمنة لابن المقفع" .وكنت أحفظ منها كلها ما يتلوه الكبار وما يردده أبو فؤاد وبدوري كان لي ولأمثالي درسي الأوّل على اللوح الحجري، أحرف كلمة" ابجد" وأفرحني جدّا حين علمت بفكري أنّ "ألف" تبدأ بها كلمة أمي "ففي البدء كانت الكلمة " حين قال الخالق "كن" فكانت وهذا كان درس التكوين للكبار, درج كلمه مهمه في حياتي ولكن علي ماذا أدرجونا من تولوا أمورنا تدرجا إلى أسفل والويل من الهاويه . عجب ألاّ يطالعوا كتب التاريخ الا يقتدوا بالعظماء . الصغار الصغار يقتلون الكبار إنهم لا زالوا يعملون تيسا من تمر يمسحون به خطاياهم ويأكلونه ليخفوا جرائمهم (إنّه تيس الخطيئه ) لا، بل هم تيوسها
تحت الشجره 2
كان ابو فؤاد قد اختار لنا في قرية مجاوره شجرة سنديان وارفة الظلال
نمضي فيها نهارا دراسيا علي الطبيعه وتحديدا يوم الخميس من كل اسبوع بعد ان نقدم الخميسيه لمعلمنا وهي حسب المتفق عليه مع الاهل زواده يقدمها كل واحد منا بحسب الميسور من الخبز وسطيلية اللبن او الحليب او عدد ما من البيض البلدي وقد تكون بحسب الموسم سلة عنب اوهندباء وربما سلةعكوب .
نسير بالقطار.( الطويل) اولا ونتبعه الى اقصرنا في الاخير, واذكر في مشوارنا الاول كنت الاخير في المسيره , وتحت الشجره مقاعدنا على الاحجار, وكان الدرس مراجعة ما اعطي في الاسبوع المنصرم من كبيرنا الي الاصغر وكنت احفظ دروس الجميع تقريبا , وكانت امثولة اليوم الاول كاغنيه حفظتها من تداول الصبيان وتردادها امام ابو فؤاد فقلت له انا اعرفها بعد ان كان قد افرد مجموعة الكسالى جانبا فقال حقا ا ن عرفتها تشمط اذن كل منهم فقلت وبصوت جهوري لاخوف فيه وانا ارفع يدي اليمنى فاتحا كفي :
3يتبع تحت الشجرة
إبهام مع سبابة، اثنان يا من ينظر وسطى نراها في الوسط وبنصر وخنصر . صفّق المعلم أبو فؤاد والجميع من بعده، وتوالت إنجازات الحفظ لأبيات من الشعر ومفردات لايستطيع عقل الصغير حلّ رموزها وإنْ حفظها، وما لليوم من حل لكلمة كان المعلم يقولها ونرددها ونكتبها والويل لمن يخطئ , "فسنستنبكتكنفتكموها" وإن كنتم شطارا تعرفوها وكان لي أن أسجّل في ذاكرتي ولمجمع البحرين ومقالات المقامات وشرح
مفدرداتها ومعاني ورموز العلاّمة الأستاذ "ناصيف اليازجي" خميرة في خبز ما تعلمته , وكان اللوح الحجري الذي نكتب عليه سهلا أن يمحى ,وكنت أكرر ما ينبغي أن أحفظه ولو لم يكن درسي الخاص أمّا بقية الأحرف الهجائيه فيوما بيوم اكتمل عددها حفظا وكتابه , وكان علينا أن نحفظ في القرآن.
لم تكتمل السنة الدراسية فقد تركنا المعلم لأسبابه الخاصة بعد أن تزوّج وغادر وإن لم تغادر معه فصول لاتمحى من الذاكرة .
الزكام
ذات يوم في فصل الشتاء , وكانت على الجبال قد تراكمت الثلوج إثر عاصفة ثلجية كست الأرض
ببساط ناصع البياض شديد البرودة، حجزت السكان ومواشيهم في المنازل.
وكان والدي يذيب الثلج في ( دست) -وعاء كبير من النحاس - يضعه قوق الموقد ليسقي المواشي
من غنم وماعز وبقر كان يهتم بتربيتها , وبعد انحسار الموجه وعاد النشاط إلى عادته عدنا
إلى مدرسة أبي فؤاد , ولكن المعلم كان مصابا بالزكام .
والدتي كانت طبيبة القرية فهي تتقن وصف العلاج بالأعشاب وهي القابلة لمساعدة النساء
على الولادة، ففي كل الناحية لا يوجد طبيب أو طبيبة حتى قلّما تجد متعلما يتقن القراءة والكتابة ,
بالوراثه وبالمران إن لم نقل كما يقال في العامية المصرية بالعافيه،
امتهنت والدتي الطبابة وبدون مقابل , كانت تقول لوجه الله تعالى ,
وقد أرسلت معي صرّة صغيرة من الأعشاب (زهورات ) مع وصفة طبيّة غير مكتوبة،
أن يجلب من العطار أبي رفعت نشوقا للزكام .
الزكام تابع
البلدة كلها تعلم بالوعكة الصحية , فالمعلم صبيانه في كل بيت , ووالدتي الطبيب المعالج
لكل حالة وهي تعود المرضى بدون دعوة وتقدم العون والمشورة لكل محتاج
فكيف بالمربي أبي فؤاد، من يقرأ الرسائل، من يزوّد بالاخبار عن العالم إنْ لم يشرح أبو فؤاد ,
فالقريه كل بيت فيها مشغول بصحة الأستاذ ..
وصلت الوصفة الطبية غير مكتوبة مع الأعشاب الطبيّة، والآن
من سيجلب الترياق الشافي ( قارورة النشوق ) تبصر بالأمر معلمنا وضرب أخماسه بالأسداس
ثم خلع الطربوش ليهرش فروة رأسه مكررا هذه الحركة حتى اختمرت الفكرة
بأن يوفد كبير الصف فالمهمه يلزمها
مشقة حيث المسافة بعيدة، وثمن الماسورة لا يجوز التفريط به , وتحسّبا لكلّ طارئ .
وبإشارة من سبّابته تمّ اختيار الساعي وكان أشعث الشعر حتى شعيرات ذقنه ,
مناولا إيّاه ورقة نقدية بقيمة مائة قرش صادرة عن بنك سوريا ولبنان ,
مع وصايا تزيد عن العشر لا تتأخّر.
لاتعتمد إلا طريق الشجرة ذهابا وإيابا
إيّاك أن تفقد النقود احرص عليها كل الحرص
أدخل "راشيا" من ناحية الغرب
ولا تتحدث مع أحد
إيّاك أنْ تزور خالتك أم وهبي
لاتنس أنّ الماسورة للزكام
لاتنس أن تسلّم على حسن أفندي لا لا ...........
والوصية الأهم إيّاك أنْ تفتح الماسورة أو تستعملها .
وكانت الوصية الأخيرة وكأنها لم تدخل أذني غوار كما كان يلقب وكانت أذناه زادت كبرا
لأنّ جميع الصبيه جربوا شمطها مرارا وتكرارا،
وقد يكون الوحيد الذي لم تمتد يده إلى أي أذن، سمعها جيدا ولم يسمع،
إياك أن تستعملها، والإنسان عادة ما تجرّ رجله الحشرية لمعرفة المجهول،
و"غوار" استلم المهمة وعمل بكل وصاياها ولكن الماسورة وصلت فارغة
لأنّه انتعش بها ولمنخاريه الكبيرين قوّة في الشفط تعادل عشرة بغال .
استلم أبو فؤاد ضالته وبعد أن تفقدها ورأى شريط الأمان ممزقا
فقد عقله واتّزانه واستولت عليه نوبة شديدة من الغضب
اختار من رزم قضبانه أو قُل من ترسانته الحربيه أشدّ الأسلحة وأقواها
قضيبا من شجر التوت قائلا قبل الفلقة انا سأربيك يا.............
افتح يدك ورفع القضيب عاليا ليحقق قصفا موفقا
ولكن غوار سحب يده بسرعة وكانت الجولة اصابت المعلم بهستيريا،
طالبا افتح كفك ومدّ ايدك وما أن حاول أن يسحب يده ثانيه كانت الطلقة أسرع
فأصابت من الأصابع أوّلها
ومن غوار هلعا حيث ركن إلى الفرار موليا الادبار
ظهر الاحمر
مرتع طفولتي وقصر احلامي هي الام الثانيه , احتاج دوما وابدا
لذراعيها وحنانها والديّ توفيا في حضنها , وفي قلبي حب لبلادي نبت في حقلها كبر ويكبر كل يوم , عاهدتها في طفولتي علي الوفاء وعاش في وجداني سرا وجهرا قولا وعملا سرا وجهر. ..
علي رأس قريتي تاجا من الثلج الابيض يكلل هامة جبل الشيخ صيفا وشتاء , وبجوارها احتجز الانتداب الفرنسي رجال الاستقلال في قلعة راشيا , وقصص البطولات كانت تتلي علي مسامعنا اطفالا رضعناها مع الحليب , كما كان لمجتمعنا مدرسة فريده من نوعها الا وهي الحس الاجتماعي والتمسك بفضائل الاخلاق والعادات المتوارثه ابا عن جد. فا التعاون والمجامله وا النخوه وقبلها وبعدها ثوابت لا بديل عنها. فا الرجل في قريتي يكون معدود الخاطر ان تمسك با الصدق والكرم والشجاعه وقد
يعاب المتواني او المقصر
***
شيخ البلده
تعرفت علي الشيخ ابو محمود في اول اطلاله يوم دخل الي مدرستي وبعد
حديث قصير مع المعلم سرنا بالقطار حيث بدأت اول اعمالي مع الجماعه في توسيع طرقات البلده واصلاح شأنها وكانت الطريق التي اوصلت اول سياره الي ساحة الاوتوموبيل شاحنه تحمل طاحونة للحبوب .
(الشيخ ابو محمود ), هو مختار البلده ومن القلائل جدا في الالمام با القرائه والكتابه له كلمه مسموعه محبوبا من الجميع , تعلمنا منه الكثير من الخصال الحميده , ولكل مقام عنده مقال يطرح افكاره بقصة من الماضي اوبايه من القران او وصيه من الكتاب المقدس اوبموعظه او بحكمه . وقلما تكلم دون ان يسند حديثه الي مثل او مثال . ومنه تعلمت اول نصيحه كان يقول لسانك حصانك ان صنته صانك وان خنته خانك .
ذات يوم وانا في طريقي الي مدرستي كان هناك اثنان من الجاندرما كما كان التعريف في حينه يحاوران شيخنا الذي احب وبصوت مسموع عن قصة اعرفها لانها تمت فصولها كا الاتي
كنت العب مع رفيق لي لعبة المخابي حيث كان لفلاح من بلدتي جنينه اخترت شجره وارفه الاختباء تحتها . وبجوارها كان كرما مغروسا قصده ( نوريا ) ليسرق منه وكان صاحب الكرم يقف في الموقع الذي اختبأت به يراقب الكرم وشاهدته يرمي السارق بحجر اصابه وسبب له اغماء وولولة رفاقه ورفيقاته وصراخهم حملوه الى مضرب خيامهم واستدعوا الحكومه .
حين سمعت المحاوره خفت على شيخنا فصحت خالي خزاعي ضرب النوري. واوقعت كلمتي خلافا بين عائلتين كبيرتين في البلده وكان الدرس الاول الذي لايزال اولا في عملي وكان الشيخ ابو محمود سلمان بحمد رحمه الله استاذي الكبير
***
ابو شوقي
طفلا كنت ألعب حين شاهدت العسكر علي الجياد في طريقهم الى فلسطين، هكذا سمعت تعليقات الكبارفي السن "إنّهم المجاهدون الأشاوس أصحاب النخوة أشبال الموحدين الدروز وكانت حماسة المقاومه بالأهازيج التي سمعتها للمرة الأولى
سلطان باشا لقريا يا شمعة الديواني
إنّها الجرعة التي شحنتني بفروسية أبناء الجبل ورجال وادي التيم والتاريخ يروي فصول الرحلة الأليمه مع الحكام وخذلان الأحرار , عشناها يوما بيوم وساعة بساعه تلك أول صورة في عام 47 لم أذكر قبلها أنني كنت أفقه شيئا إذكان لي من العمر خمس سنوات أو بالكاد . بعدها بقي من الرجال في قريتنا استاذ لتعليمنا من "بتلون الشوف" المربي احمد حسن وكان يعتمر طربوشا أحمر, هكذا كانت اول صورة لاتزال في ذهني حين اصطحبني والدي إلى منزله الذي كان غرفة واحدة تعرفت إلى منظر المنبه ( ساعة حائط) وهذه أول علاقة لي بالوقت حيث تمت الموافقه علي دخولي في عداد تلاميذه علي أن التحق في اليوم الثاني الساعة الثامنة .
وكان والدي رحمه الله يحمل في كمره ساعة معلقه بسلسال لم أكن الحظها من قبل , وكانت رحلتي مع العلم.
أمي باشرت- رحمها الله- بصنع حمّالة لأشيائي، لوح حجري مع طبشورة، قلم رصاص مع دفتر، ومقعدي جلد قرقور من الصوف .
وفي اليوم التالي كان لابدّ من اصطحابي لوالدتي فالأستاذ ملأ قلبي رعبا منذ اللحظة الأولى فهو لايعرف الابتسام ولا المجاملة والدي أعطاه كل شيء ( اللحم الك والعظم النا) وابو فؤاد هكذا تعرفت عليه، أعطاني وعدا بالفلق وقضيب الرمان إن كنت مشاغبا أو كسولا .
والدتي من يدي وبيدها الأخرى قطعة من خشب اللوز للتدفئة، وكانت ثخينه بعض الشيء وليست قصيرة وغير مستقيمة زادتني رعبا لأنني كنت أجهل وجهة استعمالها وعقلي الصغير أدخلها مع الأسلحة التي هدد بها أبو فؤاد وكانت الرحلة طويلة للوصول إلى حيث التسلّم والتسليم.
وحين دخلت أول ما خفف عني أنّ الفرع الذي حملته والدتي أدخل فورا في الداخون ( الموقد) والموت مع الكثرة خير من الحياة بالانفراد والسجن , أنستني لحظة انضمامي لأترابي وأزالت وحشتي وبددت الخوف من قلبي بعض الشيء
بدأت رحلتي مع الحرف , ولو تأخرت بعض الشيء فالقادم الجديدعليه المتابعه مع الجميع كبيرهم وصغيرهم صف واحد ودرس واحد أمّا القضيب مختلف جدا فلكل قضيب حسب العمر والمخالفة والداهية الكبرى هي الفلق، حتى الفلق لها امتيازات بالقضيب والضارب وبل الأرجل بالماء، مرورا بشمط الأذن ومن الشامط ورفع الأيدي بالعالي والزرب بغرفة الفيران وكلها عقوبات أين منها بعد أن كبرنا عقوبات حكامنا الذين يعلمون شعوبهم علما مختلفا عن أبي فؤاد , كتّاب كبير الصف "مجمع البحرين" للاستاذ "ناصيف اليازجي"، ويتدرج الكتاب عمرا ومعرفه بين "العقد الفريد" "لابن عبد ربه"، والانجيل والقرآن حتى القراءة المصورة ولن أنسى أبدا " كليلة ودمنة لابن المقفع" .وكنت أحفظ منها كلها ما يتلوه الكبار وما يردده أبو فؤاد وبدوري كان لي ولأمثالي درسي الأوّل على اللوح الحجري، أحرف كلمة" ابجد" وأفرحني جدّا حين علمت بفكري أنّ "ألف" تبدأ بها كلمة أمي "ففي البدء كانت الكلمة " حين قال الخالق "كن" فكانت وهذا كان درس التكوين للكبار, درج كلمه مهمه في حياتي ولكن علي ماذا أدرجونا من تولوا أمورنا تدرجا إلى أسفل والويل من الهاويه . عجب ألاّ يطالعوا كتب التاريخ الا يقتدوا بالعظماء . الصغار الصغار يقتلون الكبار إنهم لا زالوا يعملون تيسا من تمر يمسحون به خطاياهم ويأكلونه ليخفوا جرائمهم (إنّه تيس الخطيئه ) لا، بل هم تيوسها
تحت الشجره 2
كان ابو فؤاد قد اختار لنا في قرية مجاوره شجرة سنديان وارفة الظلال
نمضي فيها نهارا دراسيا علي الطبيعه وتحديدا يوم الخميس من كل اسبوع بعد ان نقدم الخميسيه لمعلمنا وهي حسب المتفق عليه مع الاهل زواده يقدمها كل واحد منا بحسب الميسور من الخبز وسطيلية اللبن او الحليب او عدد ما من البيض البلدي وقد تكون بحسب الموسم سلة عنب اوهندباء وربما سلةعكوب .
نسير بالقطار.( الطويل) اولا ونتبعه الى اقصرنا في الاخير, واذكر في مشوارنا الاول كنت الاخير في المسيره , وتحت الشجره مقاعدنا على الاحجار, وكان الدرس مراجعة ما اعطي في الاسبوع المنصرم من كبيرنا الي الاصغر وكنت احفظ دروس الجميع تقريبا , وكانت امثولة اليوم الاول كاغنيه حفظتها من تداول الصبيان وتردادها امام ابو فؤاد فقلت له انا اعرفها بعد ان كان قد افرد مجموعة الكسالى جانبا فقال حقا ا ن عرفتها تشمط اذن كل منهم فقلت وبصوت جهوري لاخوف فيه وانا ارفع يدي اليمنى فاتحا كفي :
3يتبع تحت الشجرة
إبهام مع سبابة، اثنان يا من ينظر وسطى نراها في الوسط وبنصر وخنصر . صفّق المعلم أبو فؤاد والجميع من بعده، وتوالت إنجازات الحفظ لأبيات من الشعر ومفردات لايستطيع عقل الصغير حلّ رموزها وإنْ حفظها، وما لليوم من حل لكلمة كان المعلم يقولها ونرددها ونكتبها والويل لمن يخطئ , "فسنستنبكتكنفتكموها" وإن كنتم شطارا تعرفوها وكان لي أن أسجّل في ذاكرتي ولمجمع البحرين ومقالات المقامات وشرح
مفدرداتها ومعاني ورموز العلاّمة الأستاذ "ناصيف اليازجي" خميرة في خبز ما تعلمته , وكان اللوح الحجري الذي نكتب عليه سهلا أن يمحى ,وكنت أكرر ما ينبغي أن أحفظه ولو لم يكن درسي الخاص أمّا بقية الأحرف الهجائيه فيوما بيوم اكتمل عددها حفظا وكتابه , وكان علينا أن نحفظ في القرآن.
لم تكتمل السنة الدراسية فقد تركنا المعلم لأسبابه الخاصة بعد أن تزوّج وغادر وإن لم تغادر معه فصول لاتمحى من الذاكرة .
الزكام
ذات يوم في فصل الشتاء , وكانت على الجبال قد تراكمت الثلوج إثر عاصفة ثلجية كست الأرض
ببساط ناصع البياض شديد البرودة، حجزت السكان ومواشيهم في المنازل.
وكان والدي يذيب الثلج في ( دست) -وعاء كبير من النحاس - يضعه قوق الموقد ليسقي المواشي
من غنم وماعز وبقر كان يهتم بتربيتها , وبعد انحسار الموجه وعاد النشاط إلى عادته عدنا
إلى مدرسة أبي فؤاد , ولكن المعلم كان مصابا بالزكام .
والدتي كانت طبيبة القرية فهي تتقن وصف العلاج بالأعشاب وهي القابلة لمساعدة النساء
على الولادة، ففي كل الناحية لا يوجد طبيب أو طبيبة حتى قلّما تجد متعلما يتقن القراءة والكتابة ,
بالوراثه وبالمران إن لم نقل كما يقال في العامية المصرية بالعافيه،
امتهنت والدتي الطبابة وبدون مقابل , كانت تقول لوجه الله تعالى ,
وقد أرسلت معي صرّة صغيرة من الأعشاب (زهورات ) مع وصفة طبيّة غير مكتوبة،
أن يجلب من العطار أبي رفعت نشوقا للزكام .
الزكام تابع
البلدة كلها تعلم بالوعكة الصحية , فالمعلم صبيانه في كل بيت , ووالدتي الطبيب المعالج
لكل حالة وهي تعود المرضى بدون دعوة وتقدم العون والمشورة لكل محتاج
فكيف بالمربي أبي فؤاد، من يقرأ الرسائل، من يزوّد بالاخبار عن العالم إنْ لم يشرح أبو فؤاد ,
فالقريه كل بيت فيها مشغول بصحة الأستاذ ..
وصلت الوصفة الطبية غير مكتوبة مع الأعشاب الطبيّة، والآن
من سيجلب الترياق الشافي ( قارورة النشوق ) تبصر بالأمر معلمنا وضرب أخماسه بالأسداس
ثم خلع الطربوش ليهرش فروة رأسه مكررا هذه الحركة حتى اختمرت الفكرة
بأن يوفد كبير الصف فالمهمه يلزمها
مشقة حيث المسافة بعيدة، وثمن الماسورة لا يجوز التفريط به , وتحسّبا لكلّ طارئ .
وبإشارة من سبّابته تمّ اختيار الساعي وكان أشعث الشعر حتى شعيرات ذقنه ,
مناولا إيّاه ورقة نقدية بقيمة مائة قرش صادرة عن بنك سوريا ولبنان ,
مع وصايا تزيد عن العشر لا تتأخّر.
لاتعتمد إلا طريق الشجرة ذهابا وإيابا
إيّاك أن تفقد النقود احرص عليها كل الحرص
أدخل "راشيا" من ناحية الغرب
ولا تتحدث مع أحد
إيّاك أنْ تزور خالتك أم وهبي
لاتنس أنّ الماسورة للزكام
لاتنس أن تسلّم على حسن أفندي لا لا ...........
والوصية الأهم إيّاك أنْ تفتح الماسورة أو تستعملها .
وكانت الوصية الأخيرة وكأنها لم تدخل أذني غوار كما كان يلقب وكانت أذناه زادت كبرا
لأنّ جميع الصبيه جربوا شمطها مرارا وتكرارا،
وقد يكون الوحيد الذي لم تمتد يده إلى أي أذن، سمعها جيدا ولم يسمع،
إياك أن تستعملها، والإنسان عادة ما تجرّ رجله الحشرية لمعرفة المجهول،
و"غوار" استلم المهمة وعمل بكل وصاياها ولكن الماسورة وصلت فارغة
لأنّه انتعش بها ولمنخاريه الكبيرين قوّة في الشفط تعادل عشرة بغال .
استلم أبو فؤاد ضالته وبعد أن تفقدها ورأى شريط الأمان ممزقا
فقد عقله واتّزانه واستولت عليه نوبة شديدة من الغضب
اختار من رزم قضبانه أو قُل من ترسانته الحربيه أشدّ الأسلحة وأقواها
قضيبا من شجر التوت قائلا قبل الفلقة انا سأربيك يا.............
افتح يدك ورفع القضيب عاليا ليحقق قصفا موفقا
ولكن غوار سحب يده بسرعة وكانت الجولة اصابت المعلم بهستيريا،
طالبا افتح كفك ومدّ ايدك وما أن حاول أن يسحب يده ثانيه كانت الطلقة أسرع
فأصابت من الأصابع أوّلها
ومن غوار هلعا حيث ركن إلى الفرار موليا الادبار
ظهر الاحمر
مرتع طفولتي وقصر احلامي هي الام الثانيه , احتاج دوما وابدا
لذراعيها وحنانها والديّ توفيا في حضنها , وفي قلبي حب لبلادي نبت في حقلها كبر ويكبر كل يوم , عاهدتها في طفولتي علي الوفاء وعاش في وجداني سرا وجهرا قولا وعملا سرا وجهر. ..
علي رأس قريتي تاجا من الثلج الابيض يكلل هامة جبل الشيخ صيفا وشتاء , وبجوارها احتجز الانتداب الفرنسي رجال الاستقلال في قلعة راشيا , وقصص البطولات كانت تتلي علي مسامعنا اطفالا رضعناها مع الحليب , كما كان لمجتمعنا مدرسة فريده من نوعها الا وهي الحس الاجتماعي والتمسك بفضائل الاخلاق والعادات المتوارثه ابا عن جد. فا التعاون والمجامله وا النخوه وقبلها وبعدها ثوابت لا بديل عنها. فا الرجل في قريتي يكون معدود الخاطر ان تمسك با الصدق والكرم والشجاعه وقد
يعاب المتواني او المقصر
***
شيخ البلده
تعرفت علي الشيخ ابو محمود في اول اطلاله يوم دخل الي مدرستي وبعد
حديث قصير مع المعلم سرنا بالقطار حيث بدأت اول اعمالي مع الجماعه في توسيع طرقات البلده واصلاح شأنها وكانت الطريق التي اوصلت اول سياره الي ساحة الاوتوموبيل شاحنه تحمل طاحونة للحبوب .
(الشيخ ابو محمود ), هو مختار البلده ومن القلائل جدا في الالمام با القرائه والكتابه له كلمه مسموعه محبوبا من الجميع , تعلمنا منه الكثير من الخصال الحميده , ولكل مقام عنده مقال يطرح افكاره بقصة من الماضي اوبايه من القران او وصيه من الكتاب المقدس اوبموعظه او بحكمه . وقلما تكلم دون ان يسند حديثه الي مثل او مثال . ومنه تعلمت اول نصيحه كان يقول لسانك حصانك ان صنته صانك وان خنته خانك .
ذات يوم وانا في طريقي الي مدرستي كان هناك اثنان من الجاندرما كما كان التعريف في حينه يحاوران شيخنا الذي احب وبصوت مسموع عن قصة اعرفها لانها تمت فصولها كا الاتي
كنت العب مع رفيق لي لعبة المخابي حيث كان لفلاح من بلدتي جنينه اخترت شجره وارفه الاختباء تحتها . وبجوارها كان كرما مغروسا قصده ( نوريا ) ليسرق منه وكان صاحب الكرم يقف في الموقع الذي اختبأت به يراقب الكرم وشاهدته يرمي السارق بحجر اصابه وسبب له اغماء وولولة رفاقه ورفيقاته وصراخهم حملوه الى مضرب خيامهم واستدعوا الحكومه .
حين سمعت المحاوره خفت على شيخنا فصحت خالي خزاعي ضرب النوري. واوقعت كلمتي خلافا بين عائلتين كبيرتين في البلده وكان الدرس الاول الذي لايزال اولا في عملي وكان الشيخ ابو محمود سلمان بحمد رحمه الله استاذي الكبير
***
ابو شوقي
ابو شوقي- مشرف
- المساهمات : 91
تاريخ التسجيل : 17/12/2007
رد: قطار الأيام - مذكرات
تابع ...........
كمال بك
كان لي من العمر ثماني سنوات حين تعرفت لاول مره عل كمال بيك جنبلاط الذى زار المنطقه في جولته لتأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي وكان في طريقه الى بلدة كفرقوق مارا بقريتنا حيث زحف الاهالي لاستقباله والترحيب به ودعوته لزيارة البلده وكان يوما مشهودا تعرفت به علي اجتماع بلدتي علي محبة الرجل الذي سمعت الكثير من الاحاديث تشيد بنزاهته وعفته واشتراكيته زرعت في قلبي جذورا نمت وكبرت وامنت وشاهدت ولمست صدق هذه الاحاديث.
في عودته من كفرقوق عام 1950 كانت البلده في احلي زينتها وفي عرس فريد من نوعه اهازيج الشباب وزلاغيط الصبايا والسيف والترس
والخيل , وكان قد خصص لبلدتنا اول مدرس من وزارة التربيه الاستاذ فؤاد ابو عمار من كفر متى , القى قصيده ترحيبيه في بيت الشيخ حسين جابر(ابو قاسم) اذكر منها .
مش كل كلمي بتنسمى كلمة رجال ولا كل نبع بينشرب من ميتو
وتأسس لنا اول فرع للحزب التقدمي الاشتراكي علي رنين معاولنا
وشعار مواطن حر وشعب سعيد والعامل شريك صاحب العمل
حكايات القريه
كان يدور في القريه الكثير من الحكايات منها المفرح والمعطر بروح الوطنيه عن نضال الابطال
من ابناء القريه والمنطقه ايام الانتداب الفرنسي وقبل الانتداب عن الدوله العربيه التي كان والدي
في عداد جنودها بعد ان روى لنا ما حدث معه ايام السفاح جبال باشا قال::
ساقونا قسرا الى ما يسمى بالمجلس العرفي في عاليه وكان دورنا حراسة العنابر المعده للتموين
وجميع محصولها من القمح والعدس للتموين والشعير والكسبه التي هي ( الباقيه والكرسننه ) ,
لعلف الخيول . وكان تموين العسكر يقتصر على شوربة العدس والمحضوظ من يحصل على قبضه
العدس الحب والويل والثبور لمن يصادر من جيبه حبات العدس وكان الجوع يعض الاسنان وكلنا من
جيش السخره, نخدم في جيش لانحبه وفي ضروف لاتخدم بلادنا فرجال النضال يساقون الى المجلس
العرفي والبلاد تحوم فوق ربوع طيور البوم والغربان وشبح الحرب يلون الافق بسواده . وكان والدي
الاعزب في حينه مسؤولا عن والدته واخته واخيه بعد ان قتل والده (جدي صالح) في كمين نصبه قطاع
الطرق حيث كان يملك حمارا يحمله فخارا من صنع بلدتنا حيث كانت تبرع في تصويل الصلصال وعجنه
وصناعة الاواني الفخاريه من صحون ومعاجن وقدور واباريق وجرر وخوابي ومسامن فضلا عن ما
يتفنن به اصحاب الخبره من محمل للسراج الذي ينار بالزيت ومزهريات للزينه وخلاف ذلك. ولا تزال
تسمى الناحيه التي كان يتم بها صناعة الفخر تسمى ( المصاول), وهو الاكبر وعمره 18 سنه.
قال وانا اسهر ورفيقي وكان اسمه محمد زهره ولانعرف بعضنا الا من خلال لقاؤنا في تلك الحراسه
ولم نكمل تعرفنا ببعض بالاسماء واحسسته مثلي ناقما متبرما تمنيت لو يشاركني بالهرب وكم كانت فرحتي
حين سالني وهل تعرف الطريق قلت له بالشبر قال هيا . تركنا القلبق التركي وهو العلامه الفارقه في
انتسابنا الى السخره وتوكلنا على الله وغامرنا بالهرب من هناك. وفي الطريق وكان الليل مظلما قطعت
غصنا من شجره واخذته عصا بيدي اتقاء للضواري وللاستعانه بها في مشقة الطريق ووعورته الجبليه
ولي بها حاجات عند الضروره. وصح التوقع اذ ونحن نسير في واد سيكون لنا معه قصه اخرى اسمه
وادي الفالوج وكانت هناك ماره دورية خياله على حصانين وكانا من غير العرب وكانت الاسلحه معهم
تحشى بالبارود والرصاص الخردق ولما اقتربا بخيلهما لمحاذاتي تعمدت بسرعه مذهله بلوح العصا
وطرق الحصان براسه ضربه لم اعرف الا انني صعدت مهرولا في العالي بين الصخور والاشجار
ونجوت. اما رفيقي لم اعرف عنه شيئا حيث بادرت فور وصولي لوالدتي واختي واخي بالرحيل الى
جبل الدروز حيث كان حصينا ولا يزال.
من دهنو سقيلو
لم يكن في الماضي سوقا شعبيه ولا حوانيت, والمواصلات
كانت لاتزال قوامها الحمير والجمال والبغال, كان ابو فارس
مكاريا يجوب القرىملبيا طلبات الزبائن وحاملا اليهم الجديد
والمطلوب,طلق اللسان واسع الحيله,يتمنطق حول زناره بجعبته
التي يستعملها خزنته المتنقله, فيها الليرات الذهبيه والغوازي والبشالك والرباعي والبراغيث والقروش وحتى المجيديات والغوايش والحلق , يحمل كل ما تحتاجه المراه وما يطلبه الرجل
في كل بلده له محطته , فحسابه جاري والمديون دائما يدفع الثمن متواصلا ومتراكما والضيافه هي من فوائد الدين,والمديون كمن يلحس المبرد يدفع ويستلف ويبقى تحت مطرقة الدائن.
ابو فارس يتقن اللعبه عجنته الايام بخبرتها, اصبح ملما بزبائنه يعرف من اين تؤكل الكتف يحاور ويناور يغري الزبون او الزبونه
بطريقته يستعمل جميع الاسلحه واخيرا يكون الفائز بغنيمته .
يستورد ابا فارس كل مره ما يناسب تجارته فهو الخبير بمجرى الريح حيث يفرد اشرعة مراكبه.
هذه المره كانت تجارته صفائح من اللحم المطبوخ ( قاورما )
وهي مونة الفلاحين قبيل فصل الشتاء وتحسّبهم من ايامه البارده بثلوجه التي تحبسهم لايام وليالي بين جدران بيوتهم .
كان في بيروت سوقا مشتركا للخضار والفواكه واللحوم والاسماك والالبسه اسمه سوق (النوريه ) وكانت حوانيت اللحامين في تلك الايام لاتخضع للرقابه الصحيه المطلوبه ولا لقانون الاسعار وحماية
المستهلك , كان في فسحة من المكان يستثمرها مايسمى ( قبضاي)
من بلطجية ذاك الزمان يقيم فيها وعاء كبير ( خلقينه ) فوق موقد من النار القويه وبقربه مجمع النفايات وبقايا العظام وكل ما ترك من الذبيحه للتلف . وكان اسمه( البشباش ) ايحاء بالباشويه اسما حركيا يوحي بالهيبه والرهبه, له صوت جهوري اجش وعضلات بارزه , مفتول الزندين نصفه الاعلى عاريا من الثياب , كث الشعر اسوده
يحمل بيده عصا خشبيه على شكل ملعقه يقرقع بها على المرجل وينادي ( شلينا كالينا ) وهي تعني شوينا وقلينا وتعني اشاره لاصحاب الحوانيت لرفده ببقاياهم من فضلات الطاوله لحمه مهمله من المباعه , ويبدأ صناع المعلمين يالتوافد حاملين منتوجاتهم او فضلاتهم ويتم استلام المحصول بالكيل بمكيال خصص للعمليه يسدد
لكل مكيال نحاسة مستديره مثقوبة الوسط وعليها اسم الباش باش ليتمم لاحقا جردة الحساب مع المعلمين.
بعد ان يوضب اللحم المفروم ( راسه بعبه ) يتم التحريك بالملعقه مع اغاني سوقيه تتنوع حسب العرض والطلب يدخل فيها قوله ولحنه بحسب المستجدات فان مرّت خادمه من اللواتي يعرفهن يدخل من قاموسه ما يناسب المقام والمقال اذا كان يقول يابوردايين يابوردانا ويضيف اهلا بالطير اللي جانا او ما شابه , تهوم حوله الكلاب الشارده
فيطرد القريب منه بعصاه تلويحا واحيانا ضربا ويعاود تحريك الطبخه او الشالينا كالينا, يهرع اليه عمال البناء والمتشردون وما شابههم يحمل احدهم رغيفا او وعاء ما طالبا بخمسة قروش او بعشره من
موجودات المرجل فيتوقف حراك الملعقه لتجود بخيراتها على الطالب
او المشتري وثيابه في غالب الاحيان لتعود للحراك والباش للاغاني
وعند استواء (القاورما) يعمد الى سكبها في صفائح من التنك كانت قبلا للزيت وقلما تكون جديده او مغسوله.
هذه المره كانت صفقة ابو فارس وتجارته صفائح القاورما مع بهاراته اضافة الى ملحها وتوابلها لتحسين طعمها لو تذوقها الشاري
ومن اقدر من ذا الفارس ببيع بضاعته وتلميع صورتها واحاطتها بكادر من الكلام المعسول والمنمق, لحمة خاروف حمري معلف مدهن بلدي وهلمجرا من دعايته واساليبه.
كانت احدى زبوناته من المعهود والمفروض المبيت في منزلهم لانه كان له بذمتهم دينا مستمرا وله عليهم مونه وداله , نسيمه ام هزاع احبت ان يتعشى ابو فارس عندهم واخذت منه وعدا بان يقبل عزومتها, هرش فروة راسه بعد ان رفع طربوشه بيده اليمنى واستجمع افكاره ووافق قائلا : يا ام هزاع يمكن شاطره بعمل المجدره (كوشري ) وانا هالاكلي من المفضلات عندي , رسم ابو فارسفي مخيلته صحنا من البرغل والعدس مع البصل المقلى بزيت الزيتون البلدي , فازادت عصافير بطنه تغريدا وزقزقه ولكنه داوم حتى انهى ما بحوزته من الصفائح, بعد ان اشترت ام هزاع صفيحه كامله .
البيت يعرفه كما يعرفه حماره الذي امتطاه وارخى جسمه النتعب على صهوته مدندنا باغنيه سمعها من الباشباش ياظريف الطول يابو الميجانا* لايهمك العذال شرف عندنا , والحمار يسرع فيه سيره طمعا بطعام وشراب بحسب غريزته , وصل الموكب وتم الاستقبال ابو هزاع تولى استضافة المركوب واطعامه وعياله البنات والصبيان
هشوا وبشوا لابي فارس وحكاياته الجديده واخباره المستجده عن بلاد الله الواسعه فلا مذياع ولا هاتف ولا من يخبرون.
غسل ابو فارس وتوضى وصللى فالتدين عنده من عدة الشغل الفاعله والهامه,حيث كانت وليمته المعهوده جهزت والتف حول
الطعام الجميع وبعد البسمله لمحت ام هزاع ضيفها يجهز لقمه
وافره اعدها كملعقه غرف منها وافرا من المجدره والتهمها مع
كلمة صحتين كل وقوي قلبك قلّيت للمجدرا من دهناتك وكثرت .
الشاعر اللبناني
ابو شوقي
هي قرويه ربيت وعاشت في قريتها, كان اسمها ولا يزال
وكانه رداء لبسته ولبسها منذ ولادتها التي لم تكن مرغوبه
من والديها بسبب انجاب والد تها لثماني بنات قبلها وكانت هي التاسعه, وكان والدها ينوي تسميتها ساقطه على قاعدة التسعه ساقطه, وبعد رجاء الزوجه الام وتدخل القابله والاهل تم الاتفاق على تسميتها ( غلطه ) .
انسحب الاسم على المسمى فكانت لعنة الاسم عليها مواكبه
لها. العائله فقيره وافواه الارانب بحاجه للطعام , وان وجدت وجبه يتسابقن لاقتسامها. وكثيرا ما تنشب معارك شد الشعروالتدافع والتراشق بالكلمات والاتهامات.
كانت غلطه اسما على مسمى , اكتسبت غلاظه في الجسم
والطباع رغم الفقر والجوع كانت ممتلئة الجسم مفتولة السواعد. عيونها يتطاير منها الشرر , وكانت تفوز غالبا
بحصة من اخواتها لتسلطها.
شبت في بيت والديها تساعدهم في اعمال الزراعه ورعاية المواشي والاحتطاب من الاحراش, وكانت اشبه بالفتى الخشن,حاسرة الراس حافية القدمين لاتخشى برد الشتاء ولا حر الصيف .
اصبحت غلطه في عمر الشباب ولا تزال تسير حافية القدمين, والانتقادات تلاحقها , والفتيات يسخرن منها بغيابها خوفا من الاشتباك معها لشراستها وحدة طباعها
وكانت قد بدات تعلم بانها يجب ان تهتم بمظهرها وتحسن من
صورتها فقد بدأت براعم الربيع تدب في اوصالها وحرارة الانثى تفتح نوافذ عينيها.
كان عليها ان تختار لحضور زفاف احدى رفيقاتها القلائل ثيابا لائقه وتحتذي في قدميها للمرة الاولى في حياتها نعلا.
في طريقها الى السوق زاد من حجمهما الكبيرافكارها
لانها وكعادتها تغلي اثمار واوراق السنديان بالماء وتعمد لطليهما الى ما قبل الركبه بهذاالابتكار السحري, لتزيد من قساوة ومقاومة باطنهما .
كان عليها ان تختار حذاؤها في اول صفقه تقوم بها هذا النهار في سوق المدينه القريبه بعد مسير ساعه من الزمن
وكان في حوانيت الاحذيه ماهو جاهز وما هو غب الطلب
للنوع واللون والقياس, جالت على العديد من الصناع والتجار وبائعي الارصفه ولم تجد ضالتها المنشوده لكبر
قدميها, ولكن بائعا متجولا نصحها بزيارة ابوساكو حيث
وجدت ضالتها ولو انها غير مريحه وكانتفي محله من ايام
الحرب العالميه معلقه ولا طالب لها لكبرها .
وعندالعقده علق المنشار كما يقولون .قالت ما السعر؟:قال
البائع : ثلاث ليرات ؛ قالت ادفع نصف ليره فقط
استغرب ابوساكو منفعلا وهل تجدين هذا المقياس ؟
قالت اعود حافيه ؛ ورفعت احدى قدميها هل شاهدت قدم غلطه؟ قال:في هذه الدنيالابد من غلطه .
كنيسة القديس ( جاورجيوس )
ابو رمح
في بلدتنا ضهر الاحمر, حيث موقعها الجغرافي كبوابه للتيمين. التيم الشمالي وعاصمته
راشيا الوادي, والتيم الجنوبي وعاصمته حاصبيا, وفي كل من العاصمتين ابتنى الشهابيون قلعه حصينه .
وضهر الاحمر وهي الغنيه بالينابيع كانت غنيه بزراعة الورد الاحمر( الجوري )
لتقطر ماء الورد . ويقال انها كانت تسمى الزهر الاحمر او نسبة لوجودها على تله رمليه حمراء .
كانت في عهد المتصرفيه اكثرية سكانها من الروم الارثوذكس . لذلك بنيت فيها في
عام 1885 كنيسة للقديس جاورجيوس وكانت مشاده على الطريقه القوطيه (حجارة
العقد) وكانت غنيه بالايقونات القديمه, يقام في كل سنه بتاريخ 16 ايار عيدا للكنيسه
يتواجد من كل قرى المنطقه حشد كبير من المؤمنين .
عام 1948 ونتيجة لنمو نبتة لوز في ركن من زوايا العقد حمل بذارها طيرا ما , واهمل القيمون على ادارة الكنيسه امرها , مما ادى لتفكك العقد وانهيار الكنيسه وكانها قصفت بزلزال .
نتيجة التدخل الفرنسي في المنطقه عام 1925 كانت الغالبيه من سكان البلده الروم قد
هاجرت وتركت ضهر الاحمر وكان من عائلاتها ال كرياكوس وال السيار ال داوود
ال جبور ال سليمان ال عبود وغيرهم ,
تنادى اهل القريه من الموحدين الدروز, وكان والدي اسماعيل صالح بحمد مختارا
وتبرعوا باعادة بناء قسم منها واعادة الجرس الاثري القديم الذي يسمع قرعه لمدى بعيد .
في البلده ترابه صلصاليه كان الاهالي من الارثوذكس صناعا مهره في صناعة الاواني الفخاريه وكان قسم من الاهالي يتاجر ويوزع هذه المشغولات الى اماكن بعيده من جبل الدروز او شمالي البقاع حتى طرابلس او جنوبا حتى الجليل والقدس
وكانت تشمل اواني الطعام كالقدور والمعاجن والصحون او الخوابي للزيت والدبس
والجرار والاباريق للماء وكانت هناك الخابيه لصنع اللبن الشنكليش بالاضافه الى
احواض الازهار والورود .
كنت في السادسه من عمري حين مررت لاشاهد الزلزال الذي ضرب تلك القلعه
استغربت ان يقال امامي وقتئذ ان لوزه هدمت تلك العظمه وذلك الجمال والبناء الشامخ
كان الدرس الاول الذي علمني ان الاهمالبامور تبدو لنا صغيرة الشأن تؤدي الى اخطار جسيمه ودمار مريع .
تعلمت ان اتحاد المجموع يرمم ما خسرناه بدل البكاء على الاطلال , تعلمت ان المحبه هي من اثمن ما حبانا به الخالق لنجدد مسيرتنا ونوحد صفوفنا ونتعالى على ما يصادفنا في طريقنا من مصاعب وويلات
تعلمت ان الانسان هو الراسمال الاكبر في الحياه . وتكون له القوه بوحدته وتعاونه
لافرق فيما بيننا الا بالمعامله فا الدين الا لله والوطن للجميع
***
ابو شوقي
شربة ماء
***-
كنت في الثانية عشرة من عمري, يوم وفد الى قريتنا مجموعة من الشباب في سيارة ابهجتنا بلونها المميز وكانها وردة حمراء , وكانت رحلة الشباب للصيد في احراج قريتنا, الرعيان في الاحراج مع قطعانهم وكلابهم المسعوره بنباحها لدخول كلاب الصيد الى حماهم .
كان اخي عادل قبيل هجرته الى بلاد البرازيل يرعى قطعان الماعز والغنم , وفي طريقي اليه حاملا جراب الراعي الذي كان قد تركه يومئذ في المنزل اضرابا عن الطعام احتجاجا لامر ما , وعلى كتفي الاخر معلقا صفيحة مخصصه للماء كان يستعملها والدي خلال خدمته العسكريه , اسير بحملي هذا متثاقلا متعبا من المسافه الطويلة التي مشيتها صعودا الى اعالى الاحراج , غافلا عما يدور حولي بانشغالي بالمغاره الحجريه المنحوته في الصخر, وكاني لاا سمع طلقات الصيادين وتعليماتهم لكلاب الصيد.
افقت من رحلتي الى العصر الحجري على صوت صياداطل من خلف صخرة كانت تحجب رؤيته, قائلا:بونجور عمو , فهمت كلمة عمو وكانت رقيقه هادئه انعشت خوفي واسكنت وحشتي لاقول اهلا وسهلا هذه الكلمة التي تتكرر كثير في بيتنا واحبها لسهولة حفظها في ذاكرتي, كان شابا اشقر الشعريلبس ثيابا شبيهة برسم نابوليون الذي اراه في كتاب التاريخ خاصة القبعه, وسيما انيقا طمأنني شكله المحبوب حين قال هل تسقيني شربة ماء.
قلت وأطعمك من الزواده اهلا وسهلا ,قال ما اسمك : قلت : عقاب ؛؛؛؛؛
ضحك ضحكة حلوة ,(بدي عقاب بالجو ) وتناول عن كتفي صفيحة الماء وكم عجبت ان يشرب
وهي بعيده عن فمه,انهى شربته قائلا مرسي ولم افقه ان اجيبه بشيء على كلمته ولكني قلت له صحه وعافيه لانها من البديهيات في حياتنا اليوميه.
اكملت طريقي وكان شيئا لم يكن وتابعت حياتي اليوميه طفلا في مدرسة الحياة وفي مدرسة ابي فؤاد.
هاجراخي عادل وترك قطيعه,ولحق باشقائي الثلاثه الذين سبقوه في الهجره الى بلاد البرازيل تاركين زوجاتهم واولادهم بانتظار ان يكون نصيبهم النجاح لتامين معيشتهم, وكان لاحدهم ابنة عمرهاخمس او ست سنوات سمراء لطيفه ناعمه وحيدة امها تعاني من هزال لقلة التغذيه, وكنت احنو
عليها اوفر لها من طعامي وارفدها بما يتيسر لي من حلويات كانت نادرة
الوجود, حتى السكر كان يباع بالقطعه وهي على شكل قرطاس لايتوفر الا
با لمناسبات الهامه.
الت قطعان الغنم والماعز بعد هجرة الاخ الاوسط بين الاخوه السبعه الى
( شدقما) وهو الاسم الذي كان يطلقه الوالد على متسلط البيت( مفتري غشيم
ومدعي بخيل )عنده قساوة وغلاظه في الجسم والتصرفات , وكان ان تزوج
بشبيهة له في سلوكياته وبحكم هذا الواقع الجديد اصبحت مستعمرا من الحاكم الجديد انفذ اسوة بكل افراد الاسره للفرعون طلباته وهمايونياته
لا مدرسة لالعب لافرصه لالالا .
التزمت بواقعي الجديد مكرها, وكان ما يتيسر لي من جريده او مجله او بقايا كتاب هو سلوتي ورفيقي بالاضافه الى صغيرتي ابنة اخي احنو عليها وهي
تبادلني بنظراتها الطيبه العرفان والمحبه, وكان ان وقعت في المعصيه القاتله يوم غافلت فرعون ومونت امراة اخي بكاسة حليب لتسقيها الطفله السقيمه, ومع قساوة قلبه الذي زادته شريكته ظلاما وظلما كانت لي علقه
قاسيه تركت في ساقي اليسرى تحت الركبه شعرا في احدى العظمتين تفاعل مع مرور الوقت لادخل المستشفى الحكومي محموما غائبا عن الوعي متورم
الرجل اليسرى, كانت المصحه لاتجهيزات حديثه ولا اطباء اختصاصيون بل
علاجات بالمهدئات وحبوب الكينا والاسبرو.
اما في حالتي فقد قرر كبير الاطباء بتر الساق وتم التحضير والاستعداد لاجراء العمليه, وكانت والدتي رفيقة المي ومحنتي تبكي بحرقة الام ولوعتها
حين مرت كوكبه من الاطباء المتمرنين في جوله من مستشفى المدينه حيث الجامعه لتدريس الاطباء, وكان الشاب الاشقر معهم حين تداولوا الاسم وسمع بكلمة عقاب فاستفسر من الوالده عن اسم البلده ليتأكد بان المريض هو الذي قابله في حرش البلده, تبرع الطبيب المتمرن ( الدكتور البروفسور انطوان الغصين ) بنقلي الى مستشفى المدينه واجرى الفحوصات اللازمه والصور الشعاعيه وساهم مع رفاقه في اجراء عمليه انقذت رجلي من البتر. والثمن شربة ماء
بقلم المدير والشاعر : ابو شوقي
كمال بك
كان لي من العمر ثماني سنوات حين تعرفت لاول مره عل كمال بيك جنبلاط الذى زار المنطقه في جولته لتأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي وكان في طريقه الى بلدة كفرقوق مارا بقريتنا حيث زحف الاهالي لاستقباله والترحيب به ودعوته لزيارة البلده وكان يوما مشهودا تعرفت به علي اجتماع بلدتي علي محبة الرجل الذي سمعت الكثير من الاحاديث تشيد بنزاهته وعفته واشتراكيته زرعت في قلبي جذورا نمت وكبرت وامنت وشاهدت ولمست صدق هذه الاحاديث.
في عودته من كفرقوق عام 1950 كانت البلده في احلي زينتها وفي عرس فريد من نوعه اهازيج الشباب وزلاغيط الصبايا والسيف والترس
والخيل , وكان قد خصص لبلدتنا اول مدرس من وزارة التربيه الاستاذ فؤاد ابو عمار من كفر متى , القى قصيده ترحيبيه في بيت الشيخ حسين جابر(ابو قاسم) اذكر منها .
مش كل كلمي بتنسمى كلمة رجال ولا كل نبع بينشرب من ميتو
وتأسس لنا اول فرع للحزب التقدمي الاشتراكي علي رنين معاولنا
وشعار مواطن حر وشعب سعيد والعامل شريك صاحب العمل
حكايات القريه
كان يدور في القريه الكثير من الحكايات منها المفرح والمعطر بروح الوطنيه عن نضال الابطال
من ابناء القريه والمنطقه ايام الانتداب الفرنسي وقبل الانتداب عن الدوله العربيه التي كان والدي
في عداد جنودها بعد ان روى لنا ما حدث معه ايام السفاح جبال باشا قال::
ساقونا قسرا الى ما يسمى بالمجلس العرفي في عاليه وكان دورنا حراسة العنابر المعده للتموين
وجميع محصولها من القمح والعدس للتموين والشعير والكسبه التي هي ( الباقيه والكرسننه ) ,
لعلف الخيول . وكان تموين العسكر يقتصر على شوربة العدس والمحضوظ من يحصل على قبضه
العدس الحب والويل والثبور لمن يصادر من جيبه حبات العدس وكان الجوع يعض الاسنان وكلنا من
جيش السخره, نخدم في جيش لانحبه وفي ضروف لاتخدم بلادنا فرجال النضال يساقون الى المجلس
العرفي والبلاد تحوم فوق ربوع طيور البوم والغربان وشبح الحرب يلون الافق بسواده . وكان والدي
الاعزب في حينه مسؤولا عن والدته واخته واخيه بعد ان قتل والده (جدي صالح) في كمين نصبه قطاع
الطرق حيث كان يملك حمارا يحمله فخارا من صنع بلدتنا حيث كانت تبرع في تصويل الصلصال وعجنه
وصناعة الاواني الفخاريه من صحون ومعاجن وقدور واباريق وجرر وخوابي ومسامن فضلا عن ما
يتفنن به اصحاب الخبره من محمل للسراج الذي ينار بالزيت ومزهريات للزينه وخلاف ذلك. ولا تزال
تسمى الناحيه التي كان يتم بها صناعة الفخر تسمى ( المصاول), وهو الاكبر وعمره 18 سنه.
قال وانا اسهر ورفيقي وكان اسمه محمد زهره ولانعرف بعضنا الا من خلال لقاؤنا في تلك الحراسه
ولم نكمل تعرفنا ببعض بالاسماء واحسسته مثلي ناقما متبرما تمنيت لو يشاركني بالهرب وكم كانت فرحتي
حين سالني وهل تعرف الطريق قلت له بالشبر قال هيا . تركنا القلبق التركي وهو العلامه الفارقه في
انتسابنا الى السخره وتوكلنا على الله وغامرنا بالهرب من هناك. وفي الطريق وكان الليل مظلما قطعت
غصنا من شجره واخذته عصا بيدي اتقاء للضواري وللاستعانه بها في مشقة الطريق ووعورته الجبليه
ولي بها حاجات عند الضروره. وصح التوقع اذ ونحن نسير في واد سيكون لنا معه قصه اخرى اسمه
وادي الفالوج وكانت هناك ماره دورية خياله على حصانين وكانا من غير العرب وكانت الاسلحه معهم
تحشى بالبارود والرصاص الخردق ولما اقتربا بخيلهما لمحاذاتي تعمدت بسرعه مذهله بلوح العصا
وطرق الحصان براسه ضربه لم اعرف الا انني صعدت مهرولا في العالي بين الصخور والاشجار
ونجوت. اما رفيقي لم اعرف عنه شيئا حيث بادرت فور وصولي لوالدتي واختي واخي بالرحيل الى
جبل الدروز حيث كان حصينا ولا يزال.
من دهنو سقيلو
لم يكن في الماضي سوقا شعبيه ولا حوانيت, والمواصلات
كانت لاتزال قوامها الحمير والجمال والبغال, كان ابو فارس
مكاريا يجوب القرىملبيا طلبات الزبائن وحاملا اليهم الجديد
والمطلوب,طلق اللسان واسع الحيله,يتمنطق حول زناره بجعبته
التي يستعملها خزنته المتنقله, فيها الليرات الذهبيه والغوازي والبشالك والرباعي والبراغيث والقروش وحتى المجيديات والغوايش والحلق , يحمل كل ما تحتاجه المراه وما يطلبه الرجل
في كل بلده له محطته , فحسابه جاري والمديون دائما يدفع الثمن متواصلا ومتراكما والضيافه هي من فوائد الدين,والمديون كمن يلحس المبرد يدفع ويستلف ويبقى تحت مطرقة الدائن.
ابو فارس يتقن اللعبه عجنته الايام بخبرتها, اصبح ملما بزبائنه يعرف من اين تؤكل الكتف يحاور ويناور يغري الزبون او الزبونه
بطريقته يستعمل جميع الاسلحه واخيرا يكون الفائز بغنيمته .
يستورد ابا فارس كل مره ما يناسب تجارته فهو الخبير بمجرى الريح حيث يفرد اشرعة مراكبه.
هذه المره كانت تجارته صفائح من اللحم المطبوخ ( قاورما )
وهي مونة الفلاحين قبيل فصل الشتاء وتحسّبهم من ايامه البارده بثلوجه التي تحبسهم لايام وليالي بين جدران بيوتهم .
كان في بيروت سوقا مشتركا للخضار والفواكه واللحوم والاسماك والالبسه اسمه سوق (النوريه ) وكانت حوانيت اللحامين في تلك الايام لاتخضع للرقابه الصحيه المطلوبه ولا لقانون الاسعار وحماية
المستهلك , كان في فسحة من المكان يستثمرها مايسمى ( قبضاي)
من بلطجية ذاك الزمان يقيم فيها وعاء كبير ( خلقينه ) فوق موقد من النار القويه وبقربه مجمع النفايات وبقايا العظام وكل ما ترك من الذبيحه للتلف . وكان اسمه( البشباش ) ايحاء بالباشويه اسما حركيا يوحي بالهيبه والرهبه, له صوت جهوري اجش وعضلات بارزه , مفتول الزندين نصفه الاعلى عاريا من الثياب , كث الشعر اسوده
يحمل بيده عصا خشبيه على شكل ملعقه يقرقع بها على المرجل وينادي ( شلينا كالينا ) وهي تعني شوينا وقلينا وتعني اشاره لاصحاب الحوانيت لرفده ببقاياهم من فضلات الطاوله لحمه مهمله من المباعه , ويبدأ صناع المعلمين يالتوافد حاملين منتوجاتهم او فضلاتهم ويتم استلام المحصول بالكيل بمكيال خصص للعمليه يسدد
لكل مكيال نحاسة مستديره مثقوبة الوسط وعليها اسم الباش باش ليتمم لاحقا جردة الحساب مع المعلمين.
بعد ان يوضب اللحم المفروم ( راسه بعبه ) يتم التحريك بالملعقه مع اغاني سوقيه تتنوع حسب العرض والطلب يدخل فيها قوله ولحنه بحسب المستجدات فان مرّت خادمه من اللواتي يعرفهن يدخل من قاموسه ما يناسب المقام والمقال اذا كان يقول يابوردايين يابوردانا ويضيف اهلا بالطير اللي جانا او ما شابه , تهوم حوله الكلاب الشارده
فيطرد القريب منه بعصاه تلويحا واحيانا ضربا ويعاود تحريك الطبخه او الشالينا كالينا, يهرع اليه عمال البناء والمتشردون وما شابههم يحمل احدهم رغيفا او وعاء ما طالبا بخمسة قروش او بعشره من
موجودات المرجل فيتوقف حراك الملعقه لتجود بخيراتها على الطالب
او المشتري وثيابه في غالب الاحيان لتعود للحراك والباش للاغاني
وعند استواء (القاورما) يعمد الى سكبها في صفائح من التنك كانت قبلا للزيت وقلما تكون جديده او مغسوله.
هذه المره كانت صفقة ابو فارس وتجارته صفائح القاورما مع بهاراته اضافة الى ملحها وتوابلها لتحسين طعمها لو تذوقها الشاري
ومن اقدر من ذا الفارس ببيع بضاعته وتلميع صورتها واحاطتها بكادر من الكلام المعسول والمنمق, لحمة خاروف حمري معلف مدهن بلدي وهلمجرا من دعايته واساليبه.
كانت احدى زبوناته من المعهود والمفروض المبيت في منزلهم لانه كان له بذمتهم دينا مستمرا وله عليهم مونه وداله , نسيمه ام هزاع احبت ان يتعشى ابو فارس عندهم واخذت منه وعدا بان يقبل عزومتها, هرش فروة راسه بعد ان رفع طربوشه بيده اليمنى واستجمع افكاره ووافق قائلا : يا ام هزاع يمكن شاطره بعمل المجدره (كوشري ) وانا هالاكلي من المفضلات عندي , رسم ابو فارسفي مخيلته صحنا من البرغل والعدس مع البصل المقلى بزيت الزيتون البلدي , فازادت عصافير بطنه تغريدا وزقزقه ولكنه داوم حتى انهى ما بحوزته من الصفائح, بعد ان اشترت ام هزاع صفيحه كامله .
البيت يعرفه كما يعرفه حماره الذي امتطاه وارخى جسمه النتعب على صهوته مدندنا باغنيه سمعها من الباشباش ياظريف الطول يابو الميجانا* لايهمك العذال شرف عندنا , والحمار يسرع فيه سيره طمعا بطعام وشراب بحسب غريزته , وصل الموكب وتم الاستقبال ابو هزاع تولى استضافة المركوب واطعامه وعياله البنات والصبيان
هشوا وبشوا لابي فارس وحكاياته الجديده واخباره المستجده عن بلاد الله الواسعه فلا مذياع ولا هاتف ولا من يخبرون.
غسل ابو فارس وتوضى وصللى فالتدين عنده من عدة الشغل الفاعله والهامه,حيث كانت وليمته المعهوده جهزت والتف حول
الطعام الجميع وبعد البسمله لمحت ام هزاع ضيفها يجهز لقمه
وافره اعدها كملعقه غرف منها وافرا من المجدره والتهمها مع
كلمة صحتين كل وقوي قلبك قلّيت للمجدرا من دهناتك وكثرت .
الشاعر اللبناني
ابو شوقي
هي قرويه ربيت وعاشت في قريتها, كان اسمها ولا يزال
وكانه رداء لبسته ولبسها منذ ولادتها التي لم تكن مرغوبه
من والديها بسبب انجاب والد تها لثماني بنات قبلها وكانت هي التاسعه, وكان والدها ينوي تسميتها ساقطه على قاعدة التسعه ساقطه, وبعد رجاء الزوجه الام وتدخل القابله والاهل تم الاتفاق على تسميتها ( غلطه ) .
انسحب الاسم على المسمى فكانت لعنة الاسم عليها مواكبه
لها. العائله فقيره وافواه الارانب بحاجه للطعام , وان وجدت وجبه يتسابقن لاقتسامها. وكثيرا ما تنشب معارك شد الشعروالتدافع والتراشق بالكلمات والاتهامات.
كانت غلطه اسما على مسمى , اكتسبت غلاظه في الجسم
والطباع رغم الفقر والجوع كانت ممتلئة الجسم مفتولة السواعد. عيونها يتطاير منها الشرر , وكانت تفوز غالبا
بحصة من اخواتها لتسلطها.
شبت في بيت والديها تساعدهم في اعمال الزراعه ورعاية المواشي والاحتطاب من الاحراش, وكانت اشبه بالفتى الخشن,حاسرة الراس حافية القدمين لاتخشى برد الشتاء ولا حر الصيف .
اصبحت غلطه في عمر الشباب ولا تزال تسير حافية القدمين, والانتقادات تلاحقها , والفتيات يسخرن منها بغيابها خوفا من الاشتباك معها لشراستها وحدة طباعها
وكانت قد بدات تعلم بانها يجب ان تهتم بمظهرها وتحسن من
صورتها فقد بدأت براعم الربيع تدب في اوصالها وحرارة الانثى تفتح نوافذ عينيها.
كان عليها ان تختار لحضور زفاف احدى رفيقاتها القلائل ثيابا لائقه وتحتذي في قدميها للمرة الاولى في حياتها نعلا.
في طريقها الى السوق زاد من حجمهما الكبيرافكارها
لانها وكعادتها تغلي اثمار واوراق السنديان بالماء وتعمد لطليهما الى ما قبل الركبه بهذاالابتكار السحري, لتزيد من قساوة ومقاومة باطنهما .
كان عليها ان تختار حذاؤها في اول صفقه تقوم بها هذا النهار في سوق المدينه القريبه بعد مسير ساعه من الزمن
وكان في حوانيت الاحذيه ماهو جاهز وما هو غب الطلب
للنوع واللون والقياس, جالت على العديد من الصناع والتجار وبائعي الارصفه ولم تجد ضالتها المنشوده لكبر
قدميها, ولكن بائعا متجولا نصحها بزيارة ابوساكو حيث
وجدت ضالتها ولو انها غير مريحه وكانتفي محله من ايام
الحرب العالميه معلقه ولا طالب لها لكبرها .
وعندالعقده علق المنشار كما يقولون .قالت ما السعر؟:قال
البائع : ثلاث ليرات ؛ قالت ادفع نصف ليره فقط
استغرب ابوساكو منفعلا وهل تجدين هذا المقياس ؟
قالت اعود حافيه ؛ ورفعت احدى قدميها هل شاهدت قدم غلطه؟ قال:في هذه الدنيالابد من غلطه .
كنيسة القديس ( جاورجيوس )
ابو رمح
في بلدتنا ضهر الاحمر, حيث موقعها الجغرافي كبوابه للتيمين. التيم الشمالي وعاصمته
راشيا الوادي, والتيم الجنوبي وعاصمته حاصبيا, وفي كل من العاصمتين ابتنى الشهابيون قلعه حصينه .
وضهر الاحمر وهي الغنيه بالينابيع كانت غنيه بزراعة الورد الاحمر( الجوري )
لتقطر ماء الورد . ويقال انها كانت تسمى الزهر الاحمر او نسبة لوجودها على تله رمليه حمراء .
كانت في عهد المتصرفيه اكثرية سكانها من الروم الارثوذكس . لذلك بنيت فيها في
عام 1885 كنيسة للقديس جاورجيوس وكانت مشاده على الطريقه القوطيه (حجارة
العقد) وكانت غنيه بالايقونات القديمه, يقام في كل سنه بتاريخ 16 ايار عيدا للكنيسه
يتواجد من كل قرى المنطقه حشد كبير من المؤمنين .
عام 1948 ونتيجة لنمو نبتة لوز في ركن من زوايا العقد حمل بذارها طيرا ما , واهمل القيمون على ادارة الكنيسه امرها , مما ادى لتفكك العقد وانهيار الكنيسه وكانها قصفت بزلزال .
نتيجة التدخل الفرنسي في المنطقه عام 1925 كانت الغالبيه من سكان البلده الروم قد
هاجرت وتركت ضهر الاحمر وكان من عائلاتها ال كرياكوس وال السيار ال داوود
ال جبور ال سليمان ال عبود وغيرهم ,
تنادى اهل القريه من الموحدين الدروز, وكان والدي اسماعيل صالح بحمد مختارا
وتبرعوا باعادة بناء قسم منها واعادة الجرس الاثري القديم الذي يسمع قرعه لمدى بعيد .
في البلده ترابه صلصاليه كان الاهالي من الارثوذكس صناعا مهره في صناعة الاواني الفخاريه وكان قسم من الاهالي يتاجر ويوزع هذه المشغولات الى اماكن بعيده من جبل الدروز او شمالي البقاع حتى طرابلس او جنوبا حتى الجليل والقدس
وكانت تشمل اواني الطعام كالقدور والمعاجن والصحون او الخوابي للزيت والدبس
والجرار والاباريق للماء وكانت هناك الخابيه لصنع اللبن الشنكليش بالاضافه الى
احواض الازهار والورود .
كنت في السادسه من عمري حين مررت لاشاهد الزلزال الذي ضرب تلك القلعه
استغربت ان يقال امامي وقتئذ ان لوزه هدمت تلك العظمه وذلك الجمال والبناء الشامخ
كان الدرس الاول الذي علمني ان الاهمالبامور تبدو لنا صغيرة الشأن تؤدي الى اخطار جسيمه ودمار مريع .
تعلمت ان اتحاد المجموع يرمم ما خسرناه بدل البكاء على الاطلال , تعلمت ان المحبه هي من اثمن ما حبانا به الخالق لنجدد مسيرتنا ونوحد صفوفنا ونتعالى على ما يصادفنا في طريقنا من مصاعب وويلات
تعلمت ان الانسان هو الراسمال الاكبر في الحياه . وتكون له القوه بوحدته وتعاونه
لافرق فيما بيننا الا بالمعامله فا الدين الا لله والوطن للجميع
***
ابو شوقي
شربة ماء
***-
كنت في الثانية عشرة من عمري, يوم وفد الى قريتنا مجموعة من الشباب في سيارة ابهجتنا بلونها المميز وكانها وردة حمراء , وكانت رحلة الشباب للصيد في احراج قريتنا, الرعيان في الاحراج مع قطعانهم وكلابهم المسعوره بنباحها لدخول كلاب الصيد الى حماهم .
كان اخي عادل قبيل هجرته الى بلاد البرازيل يرعى قطعان الماعز والغنم , وفي طريقي اليه حاملا جراب الراعي الذي كان قد تركه يومئذ في المنزل اضرابا عن الطعام احتجاجا لامر ما , وعلى كتفي الاخر معلقا صفيحة مخصصه للماء كان يستعملها والدي خلال خدمته العسكريه , اسير بحملي هذا متثاقلا متعبا من المسافه الطويلة التي مشيتها صعودا الى اعالى الاحراج , غافلا عما يدور حولي بانشغالي بالمغاره الحجريه المنحوته في الصخر, وكاني لاا سمع طلقات الصيادين وتعليماتهم لكلاب الصيد.
افقت من رحلتي الى العصر الحجري على صوت صياداطل من خلف صخرة كانت تحجب رؤيته, قائلا:بونجور عمو , فهمت كلمة عمو وكانت رقيقه هادئه انعشت خوفي واسكنت وحشتي لاقول اهلا وسهلا هذه الكلمة التي تتكرر كثير في بيتنا واحبها لسهولة حفظها في ذاكرتي, كان شابا اشقر الشعريلبس ثيابا شبيهة برسم نابوليون الذي اراه في كتاب التاريخ خاصة القبعه, وسيما انيقا طمأنني شكله المحبوب حين قال هل تسقيني شربة ماء.
قلت وأطعمك من الزواده اهلا وسهلا ,قال ما اسمك : قلت : عقاب ؛؛؛؛؛
ضحك ضحكة حلوة ,(بدي عقاب بالجو ) وتناول عن كتفي صفيحة الماء وكم عجبت ان يشرب
وهي بعيده عن فمه,انهى شربته قائلا مرسي ولم افقه ان اجيبه بشيء على كلمته ولكني قلت له صحه وعافيه لانها من البديهيات في حياتنا اليوميه.
اكملت طريقي وكان شيئا لم يكن وتابعت حياتي اليوميه طفلا في مدرسة الحياة وفي مدرسة ابي فؤاد.
هاجراخي عادل وترك قطيعه,ولحق باشقائي الثلاثه الذين سبقوه في الهجره الى بلاد البرازيل تاركين زوجاتهم واولادهم بانتظار ان يكون نصيبهم النجاح لتامين معيشتهم, وكان لاحدهم ابنة عمرهاخمس او ست سنوات سمراء لطيفه ناعمه وحيدة امها تعاني من هزال لقلة التغذيه, وكنت احنو
عليها اوفر لها من طعامي وارفدها بما يتيسر لي من حلويات كانت نادرة
الوجود, حتى السكر كان يباع بالقطعه وهي على شكل قرطاس لايتوفر الا
با لمناسبات الهامه.
الت قطعان الغنم والماعز بعد هجرة الاخ الاوسط بين الاخوه السبعه الى
( شدقما) وهو الاسم الذي كان يطلقه الوالد على متسلط البيت( مفتري غشيم
ومدعي بخيل )عنده قساوة وغلاظه في الجسم والتصرفات , وكان ان تزوج
بشبيهة له في سلوكياته وبحكم هذا الواقع الجديد اصبحت مستعمرا من الحاكم الجديد انفذ اسوة بكل افراد الاسره للفرعون طلباته وهمايونياته
لا مدرسة لالعب لافرصه لالالا .
التزمت بواقعي الجديد مكرها, وكان ما يتيسر لي من جريده او مجله او بقايا كتاب هو سلوتي ورفيقي بالاضافه الى صغيرتي ابنة اخي احنو عليها وهي
تبادلني بنظراتها الطيبه العرفان والمحبه, وكان ان وقعت في المعصيه القاتله يوم غافلت فرعون ومونت امراة اخي بكاسة حليب لتسقيها الطفله السقيمه, ومع قساوة قلبه الذي زادته شريكته ظلاما وظلما كانت لي علقه
قاسيه تركت في ساقي اليسرى تحت الركبه شعرا في احدى العظمتين تفاعل مع مرور الوقت لادخل المستشفى الحكومي محموما غائبا عن الوعي متورم
الرجل اليسرى, كانت المصحه لاتجهيزات حديثه ولا اطباء اختصاصيون بل
علاجات بالمهدئات وحبوب الكينا والاسبرو.
اما في حالتي فقد قرر كبير الاطباء بتر الساق وتم التحضير والاستعداد لاجراء العمليه, وكانت والدتي رفيقة المي ومحنتي تبكي بحرقة الام ولوعتها
حين مرت كوكبه من الاطباء المتمرنين في جوله من مستشفى المدينه حيث الجامعه لتدريس الاطباء, وكان الشاب الاشقر معهم حين تداولوا الاسم وسمع بكلمة عقاب فاستفسر من الوالده عن اسم البلده ليتأكد بان المريض هو الذي قابله في حرش البلده, تبرع الطبيب المتمرن ( الدكتور البروفسور انطوان الغصين ) بنقلي الى مستشفى المدينه واجرى الفحوصات اللازمه والصور الشعاعيه وساهم مع رفاقه في اجراء عمليه انقذت رجلي من البتر. والثمن شربة ماء
بقلم المدير والشاعر : ابو شوقي
ابو شوقي- مشرف
- المساهمات : 91
تاريخ التسجيل : 17/12/2007
ضهر الأحمر :: القسم العام :: تاريخ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى